إن ما يحصل في بعض بلاد الكفار من عدل وتطبيق للقانون هو خلاف ما يقع أحياناً في بعض الدول التي تدعي أنها إسلامية، حيث تشكل فيها محاكم عسكرية خصوصاً للدعاة إلى الله، ولا يخفى ما يقع في هذه الدول من حرب للدعاة وسجن لهم، مع وضوح أنهم لا يدعون إلا إلى الله، وربما لا يكون لديهم أي تهمة على الإطلاق، وربما أخذ من ليس له ذنب على الإطلاق.
فهذه السنن التي سنها الله سبحانه وتعالى؛ بها يقوم أمر أولئك الكفار، وبها يزول من كان على غير العدل، وإن كان من أهل الإسلام، هذا في الدنيا.
أما في الآخرة، فأولئك ليس لهم في الآخرة إلا النار، وأما المسلمون فربما يعاقبون في الدنيا بزوال النعم؛ لأنهم فرطوا ولم يقوموا بالعدل، ومآلهم في الآخرة إلى الله، وهذه السنة قديمة، ولهذا فإن كسرى أنو شروان الذي اشتهر بعدله مُكِّن له في الملك، يقول حافظ إبراهيم :
أتى عمر فأنسى عدل كسرى            كذلك كان عهد الراشدينا
فإن كسرى استطاع أن يحتل بلاد العراق والشام .
ومع بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مكن الله سبحانه وتعالى لـهرقل؛ فغلب أولئك الفرس، وفيه أنزلت: ((الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ))[الروم:1-4]
فغلب هرقل على أولئك الفرس، لأنه كان متديناً وكان عادلاً.
وهكذا سنة الله في القديم والحديث لا تختلف، والظلم لا يدوم، فالانهيار الحاصل في المجتمعات الشيوعية سببه الظلم.
قال: "وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {ليس ذنب أسرع عقوبة من البغي وقطيعة الرحم} فالباغي يصرع في الدنيا، وإن كان مغفوراً له مرحوماً في الآخرة؛ وذلك لأن العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق".
جعل الله قيام الدنيا بالعدل سبباً من الأسباب التي تتخذ،كما أن الإنسان إذا اتخذ أي سبب مادي لقيام بنيان، وكان هذا السبب صحيحاً، قام البنيان، فإن لم يتخذه لم يقم، فالعدل من أسباب قيام الملك وبقاء الدولة، قال رحمه الله: "فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت، وإن لم يكن لصاحبها في الآخرة من خلاق، ومتى لم تقم بعدل لم تقم، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة".